مواضيع تربوية

النظرية البنائية والنظرية السلوكية

يوجد فرق بين نظريات التعلم ونظريات التدريس، فنظريات التعلم يهتم بها السيكولوجيون، وتتناول الطرق التي يتعلم بها التربويون، وتتناول الطرق التي يؤثر بها المعلم على المتعلم. والتربويون في حاجة إلى نظرية للتدريس وليس لنظرية تعلم. وكل نظرية تدريس لها أهدافها الأساسية ونظرتها للمتعلم وذلك ما يوفر اتجاه عام للنظرية.
بعض النظريات مثل النظرية البنائية تركز على أن المتعلم هو العنصر الفعال، والبعض الآخر مثل النظرية السلوكية تظهر المتعلم بطابع المستجيب للمؤثرات. كذلك تختلف نظريات التدريس في عملية وإجراءات التدريس؛ على سبيل المثال في النظرية البنائية التركيز على الإجراءات الداخلية للتفكير، بينما في النظريات الأخرى مثل النظرية السلوكية التعلم يرتبط بالتغير في سلوك المتعلم. اكثر من ذلك، دور كل من المعلم والطالب يختلف من نظرية إلى أخرى. فربما يوجد خطوات محددة يجب اتباعها في إحدى الطرق بينما هناك توجيهات عامة للطرف الأخرى. كذلك إجراءات التقويم تختلف من نظرية إلى أخرى. بعض نظريات التدريس تركز على الاختبارات معيارية المرجع، والبعض الآخر يركز على الاختبارات محكية المرجع، أو تستخدم التجارب أو الأسئلة المفتوحة النهائية.

ولدى مقارنة أهم نظريتين للتدريس هما النظرية السلوكية والنظرية البنائية، نجد أن كليهما يتمتع بتطبيقات جيدة في التربية. وشاركت هاتان النظريتان بدفع السيكولوجيين والتربويين للنظر في تطوير وتحسين التدريس والتعليم في مدارسنا. فبينما يعتبر سكنر أشهر عالم عمل الكثير في النظرية السلوكية، يعتبر بياجيه أشهر عالم في النظرية البنائية. فالنظرية السلوكية الإجرائية لسكنر لها تأثير كبير في النظرية السلوكية للتدريس، بينما المراحل المعرفية لبياجيه لها تأثير كبير في النظرية البنائية للتدريس. كل من هاتين النظريتين تنظر إلى أهداف التعليم، والخبرات، وطرائق التدريس من نواح مختلفة. فالنظرية السلوكية تهتم بالسلوك الظاهر للمتعلم. بينما النظرية البنائية تهتم بالعمليات المعرفية الداخلية للمتعلم. لذلك فإن دور كل من المعلم والطالب مختلف في كل من المعلم والطالب مختلف في كلا النظريتين. فدور المعلم في السلوكية هو تهيئة بيئة التعلم لتشجيع الطلاب لتعلم السلوك المرغوب، بينما في البنائية تهيئ بيئة التعلم لتجعل الطالب يبني معرفته.



مفاهيم تربوية أساسية
سنحاول التعريف ببعض المفاهيم الأساسية، التي يمكن اعتبارها من بين المفاتيح الضرورية لولوج عالم التربية والتعليم، كالتربية البيداغوجيا ، الديداكتيك، الميتودولوجيا ،الديداكسولوجيا والمنهاج التربوي. وهذا لايعني أنها هي الوحيدة. ومن المعروف أن حقل التربية يعج بمفاهيم متعددة ومتجددة، كما أن المفاهيم في حقل التربية، كحقل إنساني،يعرف إشكالية التحديد الدقيق و الأ حادي، بحيث نجد لكل مفهوم عدة تعاريف، تختلف باختلاف التوجهات والخلفيات الفكرية والمعطيات الزمانية والمكانية لأصحابها.ورغم ذلك سنحاول تقديم بعض التعاريف نعتبرها " نموذجية " للمفاهيم المشار إليها أعلاه
       1- مفهوم التربية       L’éducation                  
التربية صيرورة تستهدف النمو والاكتمال التدريجيين لوظيفة أو مجموعة من الوظائف عن طريق الممارسة، وتنتج هذه الصيرورة إما عن الفعل الممارس من طرف الأخر، وإما عن الفعل الذي يمارسه الشخص على ذاته. وتفيد التربية بمعنى أكثر تحليلا: سلسلة من العمليات يدرب من خلالها الراشدون الصغار من نفس نوعهم ويسهلون لديهم نمو بعض الاتجاهات والعوائد.      (Lalande.A, 1992).
       كما نجد أن التربية عند Legendre هي بمثابة عملية تنمية متكاملة ودينامية، تستهدف مجموع إمكانيات الفرد البشري الوجدانية والأخلاقية والعقلية والروحية والجسدية. (Legendre R, 1988).أما Leang فيعتبرها نشاط قصدي يهدف إلى تسهيل نمو الشخص الإنساني وإدماجه في الحياة والمجتمع.( Leang. M,1974) .والتربية بالنسبة ل leif   هي عبارة عن استعمال وسائل خاصة لتكوين وتنمية الطفل أو مراهق جسديا ووجدانيا وعقليا واجتماعيا وأخلاقيا من خلال استغلال إمكاناته وتوجيهها وتقويمها .( Leif .J,1974) .أما بياجي  Piaget فيقول: أن نربي معناه تكييف الطفل مع الوسط الاجتماعي للراشد،أي تحويل المكونات النفسية و البيولوجية للفرد وفق مجمل الحقائق المشتركة التي يعطيها الوعي الجمعي قيمة ما .وعليه ، فإن العلاقة بالتربية يحكمها معطيان : الفرد وهو صيرورة النمو من جهة ،والقيم الاجتماعية والثقافية والأخلاقية التي على المربي إيصالها لهذا الفرد، من جهة أخرى . (Piaget J, 1969 ) وبالنسبة لبياجي، لايمكن أن نفهم التربية (وخصوصا الجديدة ) من حيث طرقها وتطبيقاتها إلا إذا اعتنينا بالتحليل الدقيق لمبادئها، وفحص صلاحيتها السيكولوجية من خلال أربع نقط على الأقل: مدلول الطفولة، بنية فكر الطفل، قوانين النمو، وآلية الحياة الاجتماعية للطفولة.
2- البيداغوجيا: La pédagogie   
  غالبا في استعمالاتنا الترمونولوجية المتداولة، ما يتم الخلط أو عدم التمييز بين مفهوم التربية ومفهوم البيداغوجيا، ولملامسة الفرق الدلالي بينهما، إليكم بعض التعاريف لمفهوم البيداغوجيا: يعتبر Harion البيداغوجيا علم للتربية سواء كانت جسدية أ و عقلية أو أخلاقية، ويرى أن عليها أن تستفيد من معطيات حقول معرفية أخرى تهتم بالطفل.(Lalande R, 1972). أما  Foulquié فيرى أن البيداغوجيا أو علم التربية ذات بعد نظري ، وتهدف إلى تحقيق تراكم معرفي ، أي تجميع الحقائق حول المناهج والتقنيات والظواهر التربوية ؛ أما التربية فتحدد على المستوى التطبيقي لأنها تهتم ، قبل كل شيء ، بالنشاط    العملي الذي يهدف إلى تنشئة الأطفال وتكوينهم . (الدريج، 1990).                  
         ومفهوم البيداغوجيا، يشير غالبا إلى معنيين:                                       تستعمل للدلالة على الحقل المعرفي الذي يهتم بالممارسة التربوية في أبعادها المتنوعة...وبهذا المعنى نتحدث عن البيداغوجيا النظرية أو البيداغوجيا التطبيقية أو البيداغوجيا التجريبية...
            وتستعمل للإشارة إلى توجه orientation أوإلى نظرية بذاتها، تهتم بالتربية من الناحية المعيارية normative ومن الناحية التطبيقية، وذلك باقتراح تقنيات و طرق للعمل التربوي، وبهذا المعنى نستعمل المفاهيم التالية:البيداغوجيا المؤسساتية، البيداغوجيا اللاتوجيهية... )في طرق وتقنيات التعليم،1992).
ويمكننا أن نضيف كذالك، للتميز بين التربية والبيداغوجيا، أن البيداغوجيا حسب اغلب تعريفاتها بحث نظري، أما التربية فهي ممارسة وتطبيق.
3ـ الديداكتيك La didactique
الديداكتيك هي شق من البيداغوجيا موضوعه التدريس ( 1972Lalande .A,) وإنها،كذلك نهج ،أو بمعنى أدق ،أسلوب معين لتحليل الظواهر التعليمية (Lacombe .D.1968).          
أما بالنسبة ل B.JASMIN فهي بالأساس تفكير في المادة الدراسية بغية تدريسها ، فهي تواجه نوعين من المشكلات : مشكلات تتعلق بالمادة الدراسي ( وبنيتها ومنطقها ...ومشاكل ترتبط بالفرد في وضعية التعلم، وهي مشاكل منطقية وسيكولوجية ...        (JASMIN.B1973 )
ويمكن تعريف الديداكتيك أيضا حسب REUCHLIN كمجموع الطرائق والتقنيات والوسائل التي تساعد على تدريس مادة معينة( Reuchlin.M.1974)
      ويجب التميز في تعريفنا للديداكتيك، حسب.Legendre بين ثلاث مستويات :
*الديداكتيك العامة: وهي التي تسعى إلى تطبيق مبادئها وخلاصة نتائجها على مجموع المواد التعليمية وتنقسم إلى قسمين:القسم الأول يهتم بالوضعية البيداغوجية، حيت تقدم المعطيات القاعدية التي تعتبر أساسية لتخطيط كل موضوع وكل وسيلة تعليمية لمجموع التلاميذ؛ والقسم الثاني يهتم بالديداكتيك التي تدرس القوانين العامة للتدريس، بغض النظر عن محتوى مختلف مواد التدريس.
*الديداكتيك الخاصة: وهي التي تهتم بتخطيط عملية التدريس أو التعلم لمادة دراسية معينة.
*الديداكتيك الأساسية: Didactique.Fondamentale. وهي جزءمن الديداكتيك، يتضمن مجموع النقط النظرية والأسس العامة التي تتعلق بتخطيط الوضعيات البيداغوجية دون أي اعتبار ضروري لممارسات تطبيقية خاصة. وتقاباها عبارة الديداكتيك النظرية(Legendre.R.1988)
ـ الديداكسولوجياDidascologie
الديداكسولوجيا، هي الميتودولوجيا العامة المؤسسة على البحث التجريبي، وهي تختلف عن الديداكتيك في مقاربتها للموضوع من حيث إنها تبني أنظمة ديداكتيكية متناسقة وقابلة للفحص، وتهتم بالبحث الأداتي والنظري، وهي جزء من علم التدريس، أي من الدراسة العلمية للبنيات والعمليات المتعلقة بحقل التدريس ، من أجل الوصول بها إلى الدرجة القصوى من المرودية . وتهتم الدراسة الديداكسولوجية بثلاث بنيات متناسقة وهي: البنيات الكبرىMacros structures المتعلقة بتنظيم التعليم في مختلف مستوياته، والبنيات الوسطى structures المتعلقة بالتنظيم الداخلي لمدرسة أو مجموعة من المدارس، البنيات الصغرى Micro structures المتعلقة بتنظيم العمليات الديداكتيكية الملموسة داخل القسم، وهذه الأخيرة هي جوهر البحث الديداكسولوجي ) عن معجم علوم التربية، 2001(
5- الميتودلوجيا     Méthodologie
لغويا Métodos تعني الطريق إلى... و Logos تعني دراسة أو علم، وموضوعها هو الدراسة القبلية للطرائق، وبصفة خاصة الطرائق العملية، وهي تحليل للطرائق العلمية من حيث غاياتها ومبادئها وإجراءاتها وتقنياتها...) 1976Galisson. (وهي كذلك مجموعة من الخطوات أو المراحل المنظمة والمرتبة في سلسلة محددة ، يقوم المدرس بتنفيذها لكي يتمكن من إنجاز الدرس.
والميتودولوجيا في المجال البيداغوجي عموما، هي عبارة عن جملة من العمليات المنظمة التي تهدف إلى تحليل طرائق بيداغوجية أو بلورة أخرى جديدة، وتستمد هذه العمليات مبادئها أو فرضياتها من أسس نظرية تتعلق بالسيكولوجيا وحقل المادة والسوسيولوجيا وحقل البيداغوجيا وحقل التكنلوجيا...) عن معجم علوم التربية،2001)
6- المنهاج  Curriculum
إنه تخطيط للعمل البيداغوجي و أكثر اتساع من المقرر التعليمي.فهو لا يتضمن فقط مقررات المواد،بل أيضا غايات التربية وأنشطة التعليم والتعلم ، وكذلك الكيفية التي سيتم بها تقييم التعليم والتعلم (D’Hainaut ,L.198).كما أن المنهاج يحدد من خلال الجوانب التالية : (1) تخطيط لعملية التعليم والتعلم ، يتضمن الأهداف والمحتويات والأنشطة ووسائل التقويم. (2) مفهوم شامل لا يقتصر على محتوى المادة الدراسية، بل ينطلق من أهداف لتحديد الطرق والأنشطة والوسائل. (3) بناء منطقي لعناصر المحتوى، على شكل وحدات بحيث إن التحكم في وحدة يتطلب التحكم في الوحدات السابقة.(4) تنظيم لجملة من العناصر والمكونات، بشكل يمكن من بلوغ الغايات والمرامي المتوخاة من فعل التعليم والتعلم. ( سلسلة علوم التربية ع 4-1990).كما يعبر مصطلح منهاج في استعماله الفرنسي الجاري عن النوايا أو عن الإجراءات المحددة سلفا لأجل تهيئ أعمال بيداغوجية مستقبلية.فهو، إذن، خطة عمل تتضمن الغايات والمقاصد والأهداف و المضامين و الأنشطة التعليمية، وكدا الأدوات الديداكتيكية، ثم طرق التعليم و التعلم و أساليب التقييم، فهو مصاغ أيضا باعتباره خطة عمل أوسع من برنامج تعليمي ويتضمن أكتر من برنا مج في نفس الوقت. وعلى عكس الأدبيات التربوية الفرنسية، تميل الأدبيات الإنجليزية ا لي تعريف المنهاج، ليس أولا كشيء مسبق عن العمل البيداغوجي، بل خاصة كشيء يعاش فعلا وواقعا من طرف المدرس وتلاميذه في القسم، بحيث يعد المنهاج تماثليا للسيرة الذاتية للقسمcurriculum vita (عن معجم علوم التربية2001).
من كتاب"المفيد في التربية" محمد الصدوقي/المغرب


الفروق الفردية : مفهومها ، وكيفية مراعاتها 
  
مقدمة : 

إن الله سبحانه وتعالى لما خلق الخلق جميعا ونثر عليهم من نعمه وهباته, جاء كل واحد منهم مختلفا عن الآخر لا يشابهه ولا يطابقه, وقد أكد الله سبحانه هذا الاختلاف { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}. وهذا التفضيل قد يكون بالجسم أو بالعلم أو بطريقة التفكير أو بالأمور المادية. قال الله حكاية عن طالوت: { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (البقرة247).


لذلك حرص الإسلام على مخاطبة الناس على قدر عقولهم وعلى مقدارما يستوعبون ويفهمون؛ فورد في صحيح الإمام مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه: " ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة". وورد عن علي رضي الله عنه " حدثوا الناس بما يعقلون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟". ومعنى هذا الكلام كله أن الإسلام أقر بالفروق الفردية بين الأشخاص والأفراد، أو بمعنى آخر أقر مبدأ الاهتمامات المختلفة، فما أهتم به أنا ليس بالضرورة أن تهتم به أنت, وما يهتم به ولدي هو غير الذي أهتم به أنا.. وهكذا.  

وفي العملية التعليمية يلاحظ أن تلاميذ الفصل الواحد رغم تقاربهم في السن ، يختلف بعضهم عن البعض الآخر في كثير من الصفات الجسمية كالطول والحجم ، واعتدال القامة ، وهذه الاختلافات تبدو واضحة ، وهي بالضرورة تدفع المعلم على اتخاذ موقف معين بإزائها ، فقد يعيد تنظيم مقاعد التلاميذ ، بحيث يجلس في الصفوف الأولى قصار القامة وضعاف البصر ، بينما يجلس في الصفوف الأخيرة طوال القامة حتى لا يحجب السبورة طويل القامة عن غيره من التلاميذ وقد ينصح بعض التلاميذ باستخدام نظارة طبية ، أو يقوم بتحويل أحدهم إلى الصحة المدرسية ليعالج من مرض طارئ أو ألم مفاجئ يشكو منه.

فالتلاميذ في الفصل الدراسي الواحد ليسوا متجانسين ولا متساوين فيما يملكونه من صفات وخصائص ، رغم أنهم متقاربون في أعمارهم الزمنية ، وهذه الفروق أمر طبيعي بين الأفراد ، وظاهرة عامة بين جميع الكائنات الحية فلا يوجد تطابق تام بين فردين حتى ولو كانا توأمين.


إذن .. فالفروق الفردية ظاهرة عامة في جميع الكائنات ، وهي سنة من سنن الله في خلقه ، فأفراد النوع الواحد يختلفون فيما بينهم ، فلا يوجد فردان متشابهان في استجابة كل منهما لموقف واحد ، وهذا الاختلاف والتمايز بين الأفراد أعطى للحياة معنى ، وجعل للفروق الفردية أهمية في تحديد وظائف الأفراد ، وهذا يعني أنه لو تساوى جميع الأفراد في نسبة الذكاء -على سبيل المثال- فلن يصبح الذكاء حينذاك صفة تميز فرداً عن آخر ، وبذا لا يصلح جميع الأفراد إلا لمهنة واحدة .


وتعد الفروق الفردية ركيزة أساسية في تحديد المستويات العقلية و الأدائية الراهنة والمستقبلية للأفراد ، ولذلك فقد أصبحت الاختبارات العقلية وسيلة مهمة تهدف إلى دراسة احتمالات النجاح أو الفشل العقلي في فترة زمنية لاحقة .

أما عن الفروق الفردية في الشخصية ، فنجد أن كل إنسان متميز بذاته ، ولا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا اختلف عن الآخرين . وقد اقترح البعض في كتاباتهم عن القدرات العقلية تعريفاً للشخصية في إطار الفروق الفردية ، حيث وصفوا الشخصية بأنها "البنية الكلية الفريدة للسمات التي تميز الشخص عن غيره من الأفراد" .


وتعتمد مقاييس الشخصية على ظاهرة الفروق الفردية في الكشف عن العوامل الرئيسة التي تحدد نجاح الأفراد ، حيث إن النجاح يمتد في أبعاده ليشمل كل مكونات الشخصية ، في تفردها من فرد إلى آخر .

وتعد ظاهرة الفروق الفردية من أهم حقائق الوجود الإنساني التي أوجدها الله في خلقه حيث يختلف الأفراد في مستوياتهم العقلية ، فمنهم العبقري والذكي جداً والذكي ومتوسط الذكاء ومنخفض الذكاء والأبله ، هذا فضلاً عن تمايز مواهبهم وسماتهم المختلفة .


أولاً : الفروق الفردية : مفهومها وأهمية اكتشافها في العملية التعليمية :  يعرف البعض الفروق الفردية بأنها (الانحرافات الفردية عن المتوسط الجماعي في الصفات المختلفة).
كما أنها (تلك الصفات التي يتميز بها كل إنسان عن غيره من الأفراد سواءً كانت تلك الصفة جسمية أم في سلوكه الاجتماعي).
ولعل أشهر هذه الفروق تبدو في الصفات الجسمية كالطول والوزن ونغمة الصوت وهيئة الجسم وهذه الفروق الجسمية تطفو على السطح فنشاهدها وهناك أيضا فروق كثيرة في النواحي الإدراكية والانفعالية .

أهمية اكتشاف الفروق الفردية : 

لا يستطيع إنسان واحد مهما أوتي أن يستغني عن غيره من الأفراد ، إنهم يتعاونون في بناء حياة إنسانية سليمة فردية اجتماعية فإن إهمال مابين الأفراد من الفروق له أثره السيئ بالفرد نفسه أو بالمجتمع الذي يعيش فيه وتتجلى هذه الأهمية بما يلي : 
  • أهمية التنشئة والتربية :
     فرعاية الفروق الفردية من أسس الصحة النفسية والتربية السليمة التي تقوم على الاعتراف بالفردية وأهمية كشفها وحسن استغلالها وتوجيهها إلى أقصى الحدود الممكنة لتكامل الحياة ونجاحها، فالتربية السليمة تعتبر كل فرد غاية ووسيلة في حد ذاته ويجب أن تستغل مواهبه لتحقيق مبدأ التكامل والتضامن.
  • أهميتها في الإعداد المهني والوظيفي للحياة : إن الفرد يحمل استعداد النوع من الأعمال دون غيرها والحياة تتطلب أنواعاً مختلفة من العمل والكفاءات يتمم بعضها بعضا لتكون مجتمعا متضامنا. وهذا يقتضي كشف تلك الفروق بين الأفراد وإعداد الظروف والعوامل المساعدة على نموه فالفروق الفطرية والمكتسبة هي إمكانيات هائلة للإعداد المهني والتطور في جميع الأعمال وبذلك يوضع الفرد المناسب في العمل المناسب له. 
  • أهمية خلقية :
    إذ أن معرفة الفروق بين الأفراد تساعد على فهم الآخرين وإلقاء الضوء على كثير من تصرفاتهم فلا يجوز للإنسان أن يطلب من كل إنسان أن يعامله نفس المعاملة فلكل فرد أسلوبه الخاص في التعبير الانفعالي وأداء السلوك .
  • أهمية ذاتية :
    فمعرفة الفروق الفردية تساعد الفرد على تفهم نفسه واستغلال مواهبه ومعرفة إمكاناته ولعل الإنسان ولا سيما في مراحل الرشد والنضج، إذا كان مثقفا يستطيع أن يفهم كثيراً من إمكانياته وأن يسعى لاستغلالها بطريقة إيجابية يضمن بها النجاح. وترجع أسباب الفروق الفردية وتفاعلاتها إلى عاملين أساسيين هما :
    • عامل الوراثة والاستعداد الفطري:  ويشمل الجسم وأجهزته وحواسه وأعصابه وغدده وهذا عموما ينقل صفاته الأساسية من الأصل إلى النسل ومن الآباء إلى الأبناء حسب قوانين علم الوراثة في أعضاء الجسم ووظائفها.
    • عامل البيئة الاجتماعية : ويشمل المنزل والأسرة والمدرسة والأصدقاء والمؤسسات التربوية والاجتماعية والإعلامية والمهنية والعملية. هذه العوامل تفاعل. بمعنى آخر أن احدهما يؤثر في الآخر ويتأثر فمثلا الاستعداد للكلام هو وراثي فطري ولكن لابد من تكلم الإنسان من بيئة الإنسانية للتكلم، فلو نشأ طفل بين حيوانات لشب عاجزا عن الكلام الإنساني بل هي أصوات حيوانية بدائية وإذا عاش الإنسان في بيئة إنسانية يتكلم نوعية اللغة الخاصة.
  • أهمية معرفة الفروق الفردية في المجال التعليمي :
    • إعداد المناهج بما يتناسب مع قدرات و استعدادات الطلاب المتباينة .
    • إدراج العديد من الأنشطة والبرامج الإضافية التي تتناسب مع تباين مستويات الطلاب مثل رعاية الموهوبين ، النوادي العلمية والثقافية ، المسابقات العلمية ، دروس التقوية ، التي لتلبي احتياجات الطلبة المختلفة .
    • المعرفة بتلك الفروق تساعد على توجيه الطلبة لاختيار التخصصات المناسبة لقدراتهم واستعداداتهم وميولهم .
    • اختيار أنسب طرق التدريس والأنشطة والبرامج الإضافية.
    • تساعد المعلم أن يقوم بدوره في قيادة العملية التعليمية .
ثانياً : كيفية مراعاة الفروق الفردية في التعليم :

إن المعلم هو أداة فعالة في أية خطة تعالج الفروق الفردية . ونحن نحتاج إلى معلمين مطلعين على أهمية الفروق الفردية ومتحسسين بالحاجات الفردية وقادرين على التكيف مع المنهج الدراسي ، كما نحتاج إلى معلمين يتقبلون الفروق الفردية ويعتبرون وجودها أمرا طبيعيا بين الطلاب ، والمشكلة إننا في مدارسنا لم نتهيأ بعد للتعامل مع الفروق الفردية، فالطلاب في الصف الواحد كلهم عندنا سواسية في التعامل والتذكر والحفظ والفهم لانفرق بينهم في النواحي الجسمية والعقلية اعتقادا منا أن هذا هو العدل بعينه . والصحيح أننا عندما نتعامل بهذه الطريقة ونتبع هذا الأسلوب فنحن مخطئون ، فمن الضروري مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب في العملية التعليمية وذلك باستخدام طرق تدريسية تراعي تلك الفروق وتتكيف مع البيئة المدرسية وتناسب قدرات الطلاب، ومن الطرق التدريسية التي تعطي أهمية للفروق الفردية :
  • طريقة المجموعة ذات القدرة الواحدة :
     عمدت بعض المدارس في الدول المتقدمة إلى تقسيم التلاميذ حسب قدراتهم العقلية ، وتقوم هذه الطريقة بوضع تلاميذ متجانسين من الناحية العقلية في شعبة واحدة ، وقد انتقدت هذه الطريقة بشدة على أساس أن مثل هذا التوزيع قد يؤدي إلى شعور التلاميذ بالتمايز، وبالتالي قد ينعكس ذلك على تصورهم لذاتهم في حياتهم الدراسية والاجتماعية ، ومثل هذا التوزيع يؤدي أيضا إلى حرمان التلاميذ الأقل ذكاء من زملائهم الأذكياء.
  • طريقة التقسيم العشوائي :
      يتجه المربون في المدرسة الحديثة إلى تقسيم التلاميذ تقسيما عشوائيا بحيث يضم الصف الواحد تلاميذ مختلفين في الاستعدادات لمواجهة الفروق الفردية وذلك باختبار مناهج طرق التدريس التي تناسب الاستعدادات وقدرات كل تلميذ ، وينتقد أصحاب هذه الطريقة لتوزيع التلاميذ حسب درجات الذكاء أو التحصيل ؛ لان ذلك لا يضمن التجانس التام الذي يسعى إليه المعلم من تقسيم الطلاب.
  • طريقة التعلم الجمعي :
    من مميزات هذه الطريقة أنها بدلا من الاعتماد على معلم واحد في تدريس موضوع واحد في الصف فإنها تستخدم مجموعة من المعلمين يقومون بمسؤولية التخطيط والتنفيذ والتقسيم للمنهج الدراسي ، ويمكن تطبيق هذا المنهج في المدارس الابتدائية والثانوية ، وكل معلم له اختصاص بموضوع معين ويكون من المناسب وجود مرشد تربوي مع المجموعة ، وهذه الطريقة مستخدمة في بعض البلدان الأجنبية وتطبيقها يتطلب وجود معلمين مؤهلين في اختصاصات مع ضرورة وجود منهج يتلاءم ومتطلبات هذه الطريقة .
ومن أهم الأساليب التي يمكن للمعلم أن يستخدمها لمراعاة الفروق الفردية :
  • التنويع في أساليب التدريب مثل ( الحوار - تمثيل الأدوار - القصة - العصف الذهني - حل المشكلات ).
  • تنويع الأمثلة عن المفاهيم والمبادئ المطروحة وإتاحة الفرصة للطلاب للتعليق وإبداء الرأي من خلال الأمثلة الواقعية في بيئاتهم المحلية وخلفياتهم الثقافية.
  • توظيف وسائل متنوعة ومثيرة وفعالة لتفريد التعليم مثل (صحائف الأعمال و البطاقات التعليمية المختلفة ومنها بطاقات التعبير وبطاقات طلاقة التفكير وبطاقات التعليمات وبطاقات التدريب وبطاقات التصحيح .. إلخ).
  • التنويع الحركي : يعني التنويع الحركي ببساطة أن يغير المعلم من موقعه في حجرة الدراسة ، فلا يظل طول الوقت جالساً أو واقفاً في مكان واحد . وإنما ينبغي عليه أن ينتقل داخل الفصل بالاقتراب من التلاميذ ، أو التحرك بين الصفوف أو الاقتراب من السبورة ، هذه الحركات البسيطة من جانب المعلم ، يمكن أن تغير من الرتابة التي تسود الدرس وتساعد على انتباه الطلاب ، على أنه ينبغي ألا يبالغ المعلم في حركاته أو تحركاته . فيبدو أمام التلاميذ عصبياً مما قد يؤدي إلى تشتت انتباه الطلاب أو يثير أعصابهم.
  • تحويل التفاعل :  يعتبر التفاعل داخل الفصل من أهم العوامل التي تؤدي إلى زيادة فاعلية العملية التعليمية ، وهنالك ثلاثة أنواع من التفاعل يمكن أن تحدث داخل الفصل : تفاعل المعلم والطلاب ، وتفاعل بين المعلم وطالب ، وتفاعل بين طالب وطالب.
    والمعلم الكفء لا يقتصر على نوع واحد من هذه الأنواع الثلاثة ، بحيث يكون نمطاً سائداً في تدريسه ، وإنما يحاول أن يستخدمها جميعاً في الدرس الواحد ، وفق ما يتطلبه الموقف ، وهذا الانتقال من نوع من أنواع التفاعل إلى نوع آخر : يؤدي وظيفة مهمة في تنويع المثيرات ، مما يساعد على انغماس الطلاب في الأنشطة التعليمية ويعمل على جذب انتباههم.
  • الصمت :
    على الرغم من أن التوقف عن الكلام أو الصمت للحظات كان من الأساليب التي يستخدمها الخطباء منذ القدم للتأثير على سامعيهم وجذب انتباههم ، فإن تأثيره في العملية التعليمية لم يخضع للدراسة والبحث إلا منذ وقت قريب ، ويبدو أن كثيراً من المعلمين ليست لديهم القدرة على استخدام هذا الأسلوب بفعالية في حجرة الدراسة، حتى ولو كان ذلك لبرهة قصيرة . ونتيجة لذلك فإن كثيراً منهم يلجئون إلى الحديث المستمر ، لا كوسيلة للتواصل والتفاهم الفعال بل كحيلة دفاعية للمحافظة على نظام الصف وضبطه . والواقع أن الصمت والتوقف عن الحديث لفترة قصيرة ، يمكن أن يستخدم كأسلوب لتنويع المثيرات مما يساعد على تحسين عملية التعلم والتعليم.
  • التنويع في استخدام الحواس :
    كلنا يعلم أن إدراكنا للعالم الخارجي يتم عن طريق قنوات خمس للاتصال ، وهي ما تعرف بالحواس الخمس ، وتؤكد البحوث الحديثة في مجال الوسائل التعليمية ، أن قدرة الطلاب على الاستيعاب يمكن أن تزداد بشكل جوهري إذا اعتمدوا في تحصيلهم على استخدام السمع والبصر على نحو متبادل ، ولكن لسوء الحظ ، فإن غالبية ما يحدث داخل فصولنا الدراسية لا يخاطب إلا حاسة واحدة هي حاسة السمع ، فقد وجد أن حديث المعلمين يستغرق حوالي سبعون بالمائة من وقت الدرس ، وهي لغة لفظية تخاطب حاسة السمع فقط.
    وهذا يعني أن المعلم لا ينبغي له أن ينسى أن لكل طالب خمس حواس ، وعليه أن يعد درسه بحيث يخاطب كل قنوات الاتصال عند الطالب ، وهنا يمكن أن يحدث تنويع المثيرات عن طريق أي انتقال من حاسة لأخرى.
  • التعزيز :
    إن للمعلم دوراً رئيساً في خلق الظروف التعليمية الجيدة في حجرة الدراسة ، فشخصية المعلم وسلوكه يجعلان منه نموذجاً للسلوك ، يحتذى به طلابه ، كما أن سيطرة المعلم على عمليات الثواب والعقاب داخل الفصل ، تخلق إطاراً مناسباً تتحقق من خلاله أهداف العملية التعليمية ، ونحن نفضل أن نشير إلى عملية الثواب والعقاب هذه بأنها عملية تعزيز لسلوك الطلاب ، سواء كان هذا التعزيز سلبياً أو إيجابياً.
    والتعزيز الموجب ، أي أن إثابة السلوك المرغوب فيه ، يزيد من احتمال تكرار هذا السلوك ، وكلما كان التعزيز فورياً أي عقب حدوث السلوك مباشرة كلما زاد احتمال حدوث السلوك المعزز تكراره ، لأنه يشعر الطالب بالمتعة والسرور ، كما أن علماء النفس الاجتماعي يضيفون إلى ذلك أن هذا التأثير لا يقف عند سلوك الطالب المعزز وحده ، وإنما يتعدى ذلك إلى التأثير في سلوك رفاقه أيضا ، ولقد أوضحت نتائج الدراسات أن إثابة أو عقاب سلوك طالب ما ، يمكن أن يكون له تأثير قوي على حدوث هذا السلوك من قبل الطلاب الآخرين.
  • بناء المناهج على مراعاة ما بين التلاميذ من فروق فردية :
    لن نكون مبالغين إذا نظرنا للطالب من جميع النواحي : كيف يفكر ؟ كيف يسلك ؟ كيف يتعلم ؟ وما يمكن أن يتعلمه ؟ وما الاتجاهات والقيم التي يجب أن تكون لديه ؟ ما العادات التي يجب أن يكتسبها ؟ .. كل هذه الجوانب وغيرها يجب أن يعني بها محتوى المنهج ، فليس المحتوى مجرد مجموعة من الحقائق والمعارف وإنما هو مركب يتضمن كافة النواحي مع دراية كاملة بطبيعة المتعلم وإمكانياته ودوافعه بما يتضمن تنفيذ المنهج على أفضل صورة ممكنة.
ثالثاً : النتائج التي تتحقق بمراعاة الفروق الفردية :
  • الاهتمام بتعليم جميع المستويات .
  • الارتفاع بمخرجات العملية التعليمية .
  • التقليل من الفاقد التعليمي .
  • الوصول بكافة مستويات الطلاب إلى الأهداف المنشودة .
  • مراعاة الحاجات المختلفة لأعداد كبيرة من الطلبة داخل الصف. وأخيـــــــــــراً .. من الضروري ملاحظة مايلي :
    1. الطالب الذي لديه مشكلة ما ، حاول تشجيعه للحصول على الإجابة الصحيحة وعند إجابته إجابة خاطئة لا تلمه وحاول إسماعه إجابة صحيحة من أحد زملائه .
    2. إشراك جميع الطلاب في الدرس .
    3. التدرج في طرح الأسئلة من السهل إلى الصعب .
    4. تعزيز الطلاب الضعاف باستمرار سواء لفظياً أو كتابياً ... الخ
    5. تحريك أماكن الطلاب داخل الصف بحيث يمكن نقل الطالب الضعيف إلى الصفوف الأمامية.
    6. مراعاة الفروق الفردية الصحية بين الطلاب ( ضعف نظر ... قصر قامة )
    7. رفع الصوت أثناء الشرح .
    8. توضيح الكتابة على السبورة ( تكبير الخط ، استخدام أكثر من لون.. )
    9. استخدام سجل متابعة الطلاب باستمرار داخل الفصل .
    10. الطالب الذكي المتفوق يحتاج إلى نشاطات تتحدى قدراته حتى يستمر في تفوقه.
    11. الطالب البطيء التعلم يحتاج إلى تأنِ ورفق في التعليم .
    12. الطالب الخجول يحتاج إلى أن يعامل بطريقة لا يتعرض بها إلى الإحراج الشديد أمام زملائه .

.....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق