الأحد، 23 فبراير 2014

القلب المكاني: تعريفه و موقف العلماء منه

القلب المكاني ظاهرة لغوية توجد في أكثر لغات العالم، تقوم على تقديم بعض حروف الكلمة على بعض، و أكثر ما يكون في المهموز و المعتل، و قد جاء في غيرهما قليلا نحو: امضحل في اضمحل و اكرهف في اكفهر، أو هو جعل حرف من حروف الكلمة مكان غيره و جعل ذلك الغير مكان ذلك الحرف.
و قد اختلف العلماء في حقيقته فمنهم من ذهب إلى أنه واقع في كل كلمتين إتحد معناهما و اختلف ترتيب حروفهما، و منهم من ذهب إلى أن القلب المكاني لا يقع إلا في الكلمتين اللتين ترجعان إلى أصل واحد.



ويتوسّع علماء الكوفة في إطلاق لفْظ: "القلب" على كلِّ كلمتيْن اتّحد معناهما، ووُجد بينهما خلاف في تقديم بعض الحروف على بعض، وإن وُجد المصدرُ لِكلٍ من الفِعليْن، نحو: (جَذَبَ، يَجْذِبُ، جَذْبًا)، و(جَبَذَ، يَجْبِذُ، جَبْذًا).
أمّا البصريّون، فلا يقولون بالقلب المكاني إن وُجد المصدران لِلفعليْن.
ويكثُر في المعتلِّ والمهموز، وأكثرُ ما يكون بتقديم الآخِر على متلوِّه، نحو: (راءَ): مقلوب (رَأى)، و(صَاقِعة): مقلوب (صاعقة) عند الحجازيين، وجمْعُها على (صَوَاقِع)، وأصلها: (صواعِق)؛ قرأ الحسن البصري: {ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ} [البقرة:19].
أنواعه: أربعة:
الأول: تقديم اللام على العيْن، نحو: (رَاءَ) في (رَأَى)؛ قال كُثَيرّ عزة:
مِن أجْلِكَ هذا هَاَمةُ اليومِ أو غَدِ

*
وكُلُّ خليلٍ رَاءَنيِ فهو قائلٌ

والأصل: (رآني).
ومثالُه أيضًا: (سَأَى): مقلوب (ساء)، قال كعب بن مالك:
وحَلَّ بدارهم ذُلٌّ ذَليِلُ

*
لقد لَقيتُ قُرَيْظَةَ مَا سَآهَا

ومثاله أيضًا: (ناءَ، يَناَءُ) من (نَأى)، و(تنازَبُوا) من (تنابزوا)، و(شاَكيِ السلاحَ): مقلوب (شائك) مِن: الشّوكة، قال طريف بن تميم:
شَاكِ سلاحي في الحوادثِ مَعْلَمُ

*
فَتَعْرِفُوني إنّي أنا ذاكُمُ

ومثالُه أيضًا: (اللَّجز) مِن: (اللَّزج)، و(قِسِِيّ): جمع (قَوْس)، و(مَسائَية): جمْع (مساءة).
الثاني: تقديم العيْن على الفاء، ومثاله: (أَيِسَ): مقلوب (يَئِسَ)، و(هَفَا فؤادي) و(فَهَا فؤادي)، و(ما أطيَبهُ!)، و(أطيِبْ به!)، و(ما أيْطَبَهُ!)، و(أيْطِبْ به!)، و(يَأُسَل) من (يَسْأَل)، قال الشاعر:
عَطاءً فدهماءُ الذي أنا سائِلُهْ

*
إذا قامَ قَومْ يَأْسَلوُن مَلِيكَهُم

ومثاله أيضًا: (الجاه): مقلوب (الوجْه)، و(نهر معيق): مقلوب (عميق)، و(بئرٌ معيقة): مقلوب (عميقة)، و(أَيْنُق): جمع (ناقة)؛ والأصل: (أَنْوُق)، تقدّمت العين على الفاء، ثم قُلبت الواو ياء شاذًّا، فوزنها على هذا: (أَعْفُل)، وقيل وزنها: (أَيْفُل)، حُذفت العين، وعُوِّض عنها الياء، ولا قلْب فيها.
الثالث: تأخير الفاء عن اللام، نحو: (الحادي) من: (وَحَدَ)، وأصله: (الواحد)، فنُقِلَ من (فاعل) إلى (عالف)، فانقلبت الواوُ ياءً.
الرابع: تقديم اللام على الفاء، ومثاله كلمة: (أشياء).
المذاهب في: "أَشْيَاء"
الأول: مذهب جمهور البصريِّين أَنَّ (أَشْياَء): اسم جمْع لـ"شَيْء،" وفيها قلْب مكاني، ووزنها: (لَفْعَاء).
والأصل: (شَيْئَاءُ) على وزن: (فَعْلاَءُ)، استثقلوا اجتماع همزتيْن ليس بينهما حاجز حصين، فقدّموا الهمزة -التي هي لام- على الفاء.
والذي يدلّ على أن أصلها (فَعْلاَء): جمعُها على (أَشَايَا)، و(أَشَاوَى)، و(أَشْياوَات)، فجُمِعت كما جُمعت (فَعْلاَء) اسمًا، نحو: (صحراء) و(صَحَارَى)، و(صحراوات).كما يشهد لهم تصغيرُها على لفْظها، فيُقال: (أُشَيَّاء).
الثاني: ذهب أبو الحسن الأخفش إلى أنّ (أشياء) جمْع: شيء بالتخفيف، والأصل (أَشْيَئاء)، ثم حذفت اللام للتخفيف، فصار (أَشْياء) على وزن: (أَفعَاء).
ويُضعِّف هذا المذهب أمور:
1.       (فَعْل) لا يُجمع على (أَفْعِلاَء)، وإنما يُكسَّر على: (فُعول)، و(أَفْعَال).
2.       حَذْفُ الهمزة -التي هي لام الكلمة- مِن غير سبب، شاذٌ.
3.       ليس في كلام العرَب جمْع (أَفعلاَء) على (فَعَالَى)؛ فجمْع (أشياء) على (أَشَايَا)، و(أَشَاوَى) يَرُدُّ مذهب الأخفش.
4.       تصغير (أشياء) على لفْظها، يُبطل أنها جمْع في الأصل على (أفْعِلاَء)، لأنّ صيغة (أفعِلاء) مِن صِيَغ جمْع التكسير التي للكثرة، وهي لا تُصغّر على لفظها، وإنما يُصغّر مُفردُها، ثم يُجمع، ولذلك أُفْحِمَ الأخفش لمَّا ناظرهُ أبو عثمان المازني في ذلك.
الثالث: مذهب الفرّاء مِن الكوفيِّين: (أَشْيَاء): جمْع لـ(شَيِّء) بالتشديد، والأصل: (أَشْيِيَاء) على وزن (أَفْعِلاَء)، فحذفت الهمزة للتخفيف، فصار (أشياء) على وزن (أفعاء)؛ ويُرَدُّ عليه:
1.       دعوى أنّ (أشياء): جمْع (شيِّء) بالتشديد، لا يقوم عليها دليل.
2.       حذْف اللام عن غيْر سبب يقتضيه، شاذٌ.
3.       جمعُها على (أشَايَا)، و(أشاوَى)، و(أشْيَاوات)، و(أَفْعِلاَء)، لا تُجمع على هذه الجموع.
4.       تصغيرها على لفظها يَرُدُّ مذهب الفرّاء، كما رَدَّ مذهب الأخفش.
الرابع: مذهب الكسائي مِن الكوفيِّين: (أشياء): جمْع لـ(شيْء) المخفّف، فوزنها (أفعال)، وليس فيها قلب مكانيّ، وفعل المعتلّ العيْن يُجمع على (أفعال)، مثْل: (بَيْت، وأَبيات)، و(سَيْف، وأَسْيَاف).
والذي يدلّ على أنّ (أشياء) جمْع، وليس بمُفرد: قولُهم: (ثلاثة أشياء)، لأنّ الثلاثة وما بعدها إلى العشرة تُضاف إلى الجمع، ومُنعت الصرف للتوهّم، فشُبِّهت بما في آخره همزة التأنيث كـ(حمراء)، ويردُّ عليه:
1.       منْع صرْفها يكون بلا علّة تقتضيه، فهو منْع شاذّ، و(أشياء) وردت ممنوعة مِن الصّرْف في القرآن الكريم وكلام العرب، ويبعدُ أن يكون ذلك المنْع مِن الصرف جاء شاذًا بلا علّة سوى التّوهّم.
2.       جمْعُها على (أشَايَا)، و(أشاوَى)، و(أشْيَاوات)، يُبعد أن تكون (أشياء) على وزن: (أفعال)، لأن (أفعالًا) الجمعَ لا يُجمع على هذه الجموع.

ولمّا كانت (أشياء): اسم جمْع لـ(شيء) عند البصْريِّين، أضيفت إليها ألفاظُ العدَد، ولحقت التاء هذه الألفاظ لمفردها المذكّر، وهو (شَيْء)، فلا يبطل هذا مذهب البصريِّين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق